حملة طارق بن زياد لفتح الاندلس
المقدمة:
بعد سنة من الحملة
الاستطلاعية التي تمت بقيادة طريف بن مالك، ولاقت نجاح وبعد ان انتهى موسى بن
النصير من وضع خطة البحث. وفي سنة 711م بيونيو تحرك جيش مكون من سبعة الآلاف جندي
من المسلمين، بقيادة طارق بن زياد. متوجهين إلى الأندلس.
نبذة عن طارق بن زياد:
ولد طارق بن زياد بن عبدالله في 640م، ويُذكر أنّ توفى
في سنة 102هـ، ولكن قد اختلف في أمر نسبه، فقيل إنّهُ أمازيغيّ، وتميّز بصلته
القوية بالإسلام والعروبة، وقيل أن والده وجده أسلموا قبله ، ثمّ انتقلوا إلى بلاد
المشرق، وهناك ترعرع في ظلّ بيئة عربية وإسلامية،
وهذا فضلاً عن تمسكه بلهجته الأمازيغية، وكان طارق من أقوى وأحنك رجال موسى بن
نصير، حيث جُنّد في جيشه.
حملة طارق بن زياد وسفن
العبور:
سفن العبور مثل ما ذُكر
إنها كانت تعود إلى يليان حاكم سبتة، وتوضح النقاط التالية ما يلي:
· أتم المسلمين فتح بلاد
الشمال الإفريقي قبل فتح الأندلس بسنوات طويلة،
· سبق للمسلمين نشاط بحري
حربي في الشمال الإفريقي، وفي عام 46ه وجه معاوية بن حديج عبدالله بن قيس لغزو
صقلية[1]،
فكان هو أول من غزاها في عهد معاوية بن أبي سفيان.
· اهتم المسلمين بصناعة
السفن منذ وقت طويل بعد فتح إفريقية، فأقاموا دار لصناعة السفن في تونس في عهد
الحسان بن النعمان والي الشمال الإفريقي (76-86ه).
· فتحت طنجة في ولاية عقبة
بن نافع سنة 63ه، وهي ميناء صالح لصناعة السفن.
· استعمل طريف بن مالك 4
سفن عبور بسريته الخامسة وهذه السفن هي التي استعملها طارق بن زياد لعبور سبعة
الآلاف مسلم من المضيق إلى الأندلس، ولم يُذكر يليان في هذا السياق، بل وتصرح بعض
الروايات بأن موسى بن النصير قد عمل السفن[2].
· القيام بعملية فتح بلاد
مثل الأندلس لا يمكن ان يكون بإستعارة السفن ولا سيما كان النشاط البحري مألوف عند
المسلمين، وتهيؤا قبله بسنوات لفتح الأندلس وامتلاك السفن وصناعتها هو من أحد
الأسباب.
ويؤكد كل هذا ان السفن
التي استعملها المسلمين في فتح الاندلس كانت إسلامية الصنع.
تحرك الجيش الإسلامي
وعبر المضيق الذي عرف بعد باسم القائد مضيق جبل طارق، وذلك عندما عبر طارق المضيق
نزل عند هذا الجبل، ومن هذا الجبل انتقل طارق لمنطقة واسعة تسمى الجزيرة الخضراء،
وقابل هناك الجيش الجنوبي للأندلس وهو حامية جيش النصارى في هذه المنطقة، ومثل
عادة المسلمين فقد عرض طارق بن زياد عليهم الدخول في الإسلام ويكون لهم ما
للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، ويتركون أملاكهم أو يدفعون الجزية ويترك لهم ما
في إياديهم او القتال ولكن تلك الحامية أبت إلا القتال فصارت الحرب بين الفريقين
حتى انتصر عليهم طارق بن زياد. وأرسل زعيم تلك الحامية وكان أسمه تدمير رسالة إلى
لذريق وكانت في طليطلة عاصمة الأندلس إنذاك وكان يقول ( أدركنا يا لذريق، فإنه قد
نزل علينا قوم لا ندري أهم من أهل الأرض أم من أهل السماء؟ قد وطئوا إلى بلادنا
وقد لقيتهم فلتنهض إلي بنفسك[3].
عندما وصلت أنباء تقدم
طارق بن زياد إلى لذريق وكان في الشمال لم يتهيب للمرة الأولى، لإعتقاده أن
المسألة لا تعدو أن تكون غزوة من غزوات النهب وستتلاشى عما قريب من وجهة نظره،
ولكن حين وصلته أخبار عن تقدم المسلمين ناحية قرطبة، أسرع إلى طليطلة وحشد حشوده،
وأرسل قوة عسكرية بقيادة ابن اختة بنشية وكان من أكبر رجاله للتصدي لهم ووقع
القتال بالقرب من الجزيرة الخضراء فكانوا عند كل لقاء يهزمون وقتل قائدهم بنشيو
وفر من جنوده في اتجاه الشمال، ليخبروا لذريق بما حدث، وبالخطر القادم من الجنوب.
موقعة وادي برباط
(92ه-711م) وفتح الأندلس:
عندما وصلت رسالة
الفارين الذين انهزموا إلى لذريق وقعت عليه مثل الصاعقة، وبغرور جمع جيشاً قوامه
مئة ألف من الفرسان، وجاء بهم من الشمال إلى الجنوب قاصداً جيش المسلمين، وكان
طارق بن زياد معه سبعة آلاف من المسلمين وعدد محدود من الخيل، فعندما رأى المئة
الف رجل استصعب الامر وأرسل لموسى بن النصير يستنجد به فبعث له طريف بن مالك وعلى
رأسة خمسة آلاف آخرين من الرجالة – تحملهم السفن.
وصل طريف بن مالك لطارق
بن زياد وأصبح عدد الجيش الإسلامي 12ألف مقاتل[4]،
وبدأ طارق يستعد للمعركة وأول ما قام به هو أنه بحث عن أرض تصلح للمعركة حتى وجد
منطقة وادي برباط، استراتيجية وعسكرية مهمة ؛ فقد كان من خلفه و عن يمينه
جبل شاهق ، وبه حمی ظهره وميمنته ؛ فلا يستطيع أحد أن يلتف حوله ، وكان في ميسرته
بحيرة فهي ناحية آمنة تماما ، ثم وضع على المدخل الجنوبي لهذا الوادي ( أي في ظهره
) فرقة قوية بقيادة طريف بن مالك ؛ حتى لا يباغت أحد ظهر المسلمين ، ومن ثم يستطيع
أن يستدرج قوات النصارى من الناحية الأمامية إلى هذه المنطقة ، ولا يستطيع أحد أن
يلتف من حوله .
ومن بعيد جاء لذريق في أبهى زينة ؛ يلبس التاج الذهبي
والثياب المرصعه بالذهب ، وقد جلس على سرير محلى بالذهب يجره بغلان[5] ، فهو لم
يستطع أن يتخلى عن الدنيا ؛ حتى وهو في لحظات الحرب والقتال ، وتقدم على رأس مائة
ألف من الفرسان ، وجاء معه بحبال محملة على بغال، لكي يقيد بهذه الحبال أيدي
المسلمين وأرجلهم بعد هزيمتهم المحققة - في زعمه- ثم يأخذهم عبيداً ، وهكذا في صلف
وغرور ظن أنه حسم المعركة لصالحه ؛ فمن وجهة نظره أن اثني عشر ألفا يحتاجون إلى
الشفقة والرحمة ؛ وهم أمام مائة ألف من أصحاب الأرض .
وفي ۲۸ من شهر رمضان سنة ۹۲ ه = 19 من
يوليو سنة ۷۱۱ م بوادي برباط دارت معركة هي من أشرس
المعارك في تاريخ المسلمين[6]، استمرت المعركة ثمانية أيام إلى ان نصر الله المسلمين،
ومصير لذريق بقى مجهولاً فبعض الروايات تقول أنه غرق في النهر ولم يعثر على جثته
والبعض يقول بأنه قتل أثناء المعركة. وبهذا الانتصار أصبح الطريق سالكاً أمام
المسلمين ليستكملوا فتح الاندلس، وبداية لتواجد المسلمين في الأندلس.
نتائج المعركة:
1-
ودعت الاندلس عصر الظلم والجهل والاستبداد، وبدأت صفحة
جديدة من الرقي والتحضر.
2- غنم المسلمين غنائم
عظيمة، كان أهمها الخيول، وأصبحوا خيالة بعد أن كانوا رجالة.
3- بدأ المسلمين وعددهم 12
ألف وانتهت المعركة وعددهم تسعة آلاف، والنتيجة ثلاثة آلاف من الشهداء.
تضخم جيش طارق بعد النصر
الذي أحرزه وازداد عدد جيش المسلمين من المتطوعين في المغرب والشمال الإفريقي.
ووجد طارق بعد إن ازداد عدد الجيش إن هذا أفضل فرصة لإستكمال الفتوحات في باقي
الأندلس فتوجه شمالاً لفتح بلاد الأندلس قاصداً طليطلة عاصمة القوط، ولم يكتفِ
بطليطلة بل واصل الزحف شمالاً فاخترق قشتالة وليون[7]،
وواصل إلى جبال آشتوريش ( استورياس) حتى وصل إلى خليج غسقونية (بسكونية) على
المحيط الأطلسي، وكانت هذه نهاية فتوحاته. ثم بعث له موسى بن نصير رسالة تأمره
بالتوقف عن الفتوحات.
الخاتمة:
كانت حملة طارق بن زياد
هي الانطلاقة الحقيقية للسيطرة على الأندلس، وأثبت طارق بن زياد في هذه الحملة
نفسه من خلال مجموعة من المعارك التي خاضها في سبيل نصرة الإسلام والمسلمين
بمساعدة موسى بن النصير ومازالت أصداء هذه الحملة تدرس إلى يومنا هذا لأهمية الخطط
والاستراتيجيات العسكرية والسياسية المحنكة التي لا نكتفي من التعلم منها.
المصادر والمراجع:
1- محمد عبدالله عنان، دولة الإسلام في الأندلس، مكتبة
الخانجي، القاهرة.
2- عبدالرحمن علي الحجي، التاريخ الأندلسي، دار القلم،
بيروت، الطبعة الثانية، 1981م.
3- العباس أحمد عذاري، البيان المغرب، دار الغرب الإسلامي،
الطبعة الأولى، 2013م.
4- السرجاني،
الأندلس من الفتح للسقوط، مؤسسة اقرأ، القاهرة، الطبعة الأولى، 2011.
5-
راغب السرجاني، قصة الأندلس، مؤسسة اقرأ،
القاهرة، الطبعة الأولى، 2011م.
6-
حميد تيتاو،
الأندلس تاريخ وحضارة، المجلد الثاني، http://www.hesperis-tamuda.com/.
[1]
حسن علي حسن، الحضارة الإسلامية في المغرب والإندلس، مكتبة
الخانجي، الطبعة الأولى، 1980م، ص33.
[2] راغب
السرجاني، قصة الأندلس، مؤسسة اقرأ، القاهرة، الطبعة الأولى، 2011م، ص47.
[3]
راغب السرجاني، المصدر السابق، ص49.
[4]
العباس أحمد عذاري، البيان المغرب، دار الغرب الإسلامي، الطبعة
الأولى، 2013م، ص50.
[5]
السرجاني، الأندلس من الفتح للسقوط، مؤسسة اقرأ، القاهرة، الطبعة الأولى،
2011، ص51.
[6]
عبدالرحمن علي الحجي، التاريخ الأندلسي، دار القلم، بيروت، الطبعة الثانية،
1981م،ص66.
[7]
محمد عبالله عنان، دولة الإسلام في الأندلس، مكتبة الخانجي، القاهرة، ص70.
تعليقات
إرسال تعليق