عندما مكن الله المسلمون من فتح الأندلس قاموا بمشاطرة كنيسة سنت بنجنت نصف مساحتها وبنوا في النصف الأول مسجدا يصلي فيه المسلمون وبقي النصف الثاني كنيسة حتى قدوم عبدالرحمن الداخل والذي قام بشراء النصف الثاني من الكنيسة بمبلغ يسيل له اللعاب وضمه إلى المسجد وبناه بالتصميم العربي فكان أعجوبة عصره في ذاك الزمان وتوالت التوسعات الكبرى في عهد خلفائه وتعددت مسميات هذا المسجد لدى المؤرخين فمنهم من أسماه بالجامع الأعظم مثل المراكشي وابن بشكوال وابن الخطيب ونعته عبدالمنعم الحميري بالمسجد الجامع .
يعتبر جامع قرطبة من أرقى وأروع نماذج العمران والفن الإسلامي وخصوصاً المحراب الذي بناه حنش الصنعاني في عهد عبدالرحمن الداخل وكذلك المئذنة والتي يعتبرها الباحث أعظم ناطحة سحاب في ذاك العصر حيث كانت متوشحة أعظم آيات العظمة وأمارات الجمال وسمات الجلال وكان المسجد يتسع لقرابة ال ٨٠٠٠٠ مصلي ويحضره قرابة ال ٤٠٠٠ طالب من طلبة العلم الذين كانوا ينهلون من كافة العلوم ويتحلقون حول جهابذة علماء المسلمين أمثال ابن رشد وابن حزم والقرطبي فكان عصراً ذهبيا لكنه أصبح أثرا بعد عين وتم بناء هذا الجامع على ستة مراحل ابتداءً من عهد عبدالرحمن الداخل ثم هشام الرضا ومن بعده عبدالرحمن الأوسط ومن ثم عبدالرحمن الثالث ( الناصر لدين الله ) ومن بعده الحكم المستنصر بالله وأخيراً التوسعة الأخيرة في عهد محمد بن أبي عامر ( الحاجب المنصور أو الملك المنصور ) وأخذ الجامع شكله النهائي في المرحلة الأخيرة واستمر المسجد على صورته تلك ولم تضف إليه زيادة بعد توسعة المنصور باستثناء ما قام به المرابطون والموحدون من أعمال التجديد ولما سقطت قرطبة على يد فرناندو الثالث ( فرديناند الثالث ) تم تحويل الجامع إلى كنيسة وتغير شكل الجامع منذ ذاك اليوم حتى يومنا هذا .
المرجع : من كتاب المساجد والقصور في الأندلس للدكتور السيد عبدالعزيز سالم
تعليقات
إرسال تعليق