عندما نحرت الإنسانية على أرض
البوسنة والهرسك
بلدةٌ مسالمة ذنبها الأكبر أنها
قررت الإستقلال عن يوغوزلافيا وفق إرادةٍ شعبية
تقع البوسنة والهرسك في غرب البلقان
في أوربا يحدها من الشمال والغرب كرواتيا ومن الشرق صربيا والجبل الأسود ومن الجنوب
الغربي البحر الأدرياتياكي وتبلغ مساحتها ما يزيد عن 51000كم, ويتكون سكانها من الوشناق
المسلمين والصرب الأرثوذكس والكروات الكاثوليك, وبحكم موقعها الجغرافي ووجودها في وسط
الجمهورية اليوغوزلافية التي كانت تظم كرواتيا وصربيا وسلوفينيا ومقدونيا والبوسنة
والهرسك والجبل الأسود فقد كان لها أهمية إستراتيجية كقاعدة لصناعات التقنيات العسكرية
لقد سكن الشعب الأليري قبل حوالي
3 آلاف عام البوسنة والهرسك ثم أصبحت المنطقة ظمن الإمبراطورية الرومانية في سنة
11ق.م وفي القرن الثاني عشر ميلادي سيطر المجر على بعض أراضي البوسنة والهرسك ولقد
كانت الهرسك منفصلة عن البوسنة تحت الحكم المجري لكن البوسنة إستطاعت ظمها حتى منتصف
القرن الخامس عشر إلى أن أعلن الحاكم المحلي للهرسك إستقلالها وبعد ذلك دخلو العثمانيين
في 1463 وفتحو معظم أراضي البوسنة والهرسك ولقد ظلت هذه الدولة جزءاً من الإمبراطورية
العثمانية حتى مؤتمر برلين 1878 والذي أعطيت البوسنة والهرسك للنمسا وظلت إلى ما بعد
الحرب العالمية الثانية لتصبح بعد ذلك تحت حكم مملكة الصرب والكروات وسلوفينيا والتي
تغير إسمها للمملكة يوغوزلافيا في سنة 1929 إلى أن جاءت الحرب العالمية الثانية لتقوم
أيطاليا وألمانيا باحتلالها وبعدما إنتهت الحرب العالمية الثانية وفي عام 1946 بموجب
دستور أصبحت يوغوزلافيا دولة فديرالية
ولقد إنظمت البوسنة والهرسك للإتحاد
اليوغوزلافي وظلت حتى عام 1992 إلى أن قررت الإستقلال مقارنة بسلوفينيا وكرواتيا الذين
سبقوها ولكن الصرب رفضو إرادة الشعب الذي كان أكثره من البوشناق المسلمين المؤيدين
للحكومة البوسنية رغم الإعلان عن سيادة البوسنة والهرسك عام 1991 ثم أعقبها إستفتاء
على الإستقلال عن يوغوزلافيى في مارس 1992 والذي قاطعته الغالبية العظمى من الصرب البوسنيين
ولكن كانت نسبة الإشتراك في التصويت 63% وبعدها تم إعلان إستقلال البوسنة والهرسك وما
هو إلا شهر واحد تحديداً في أبريل من عام 1992 وتبدأ حرباً عدوانية على المسلميين البوسنيين
من قِبل الصرب وبدعمٍ كرواتي
في هذه الحرب حدثت مجازر لم تحدث
إلا في الحرب العالمية الثانية فقد هاجم الجيش الصربي التجمعات المدنية وخاصة مسلمي
البوشناق فقد قتلو في ثلاث سنوات ما يزيد عن 250 ألف بوسني وحرقو البيوت في المدن التي
إحتلوها ودمرو المباني كالمساجد والمدارس والمؤسسات والمكتبات كل ذلك والعالم لا يفعل
سوى مساعدات إغاثية للبوسنة فقط والأمم المتحدة تعلن حماية المنشآت الهامة كالمطار
وبعض المناطق ورغم طلب البوسنيين السلاح للدفاع عن أنفسهم إلا أن أمريكا وأوربا سارعو
لحضر السلاح على يوغوزلافية بما فيها البوسنة والهرسك ولكن الصرب كان لديهم السلح الكافي
وكانو يحصلون عليه بطرق غير مباشرة ومعهم الكروات ولم يكن هناك تحرك فعلي لإيقاف العدوان
الصربي الذي تسبب بهجرة ما يزيد عن مليون و800 ألف بوسني ومقتل أكثر من 20 ألف طفل وما يزيد عن 250 ألف روح أزهقت حسب إحصائية بوسنية و8000 مختطف قصريًا وأما
النساء فقد كان الجيش الصربي يجمع النساء المسلمات في المعتقلات ويقوم الجنود باغتصابهن
وتذكر الإحصائيات أنهُ قد تم الإعتداء على أكثر من 50 ألف إمرأة مسلمة وتعرض الأخريات
للتعذيب, وهناك الكثير من الرجال الذين تم إحتجازهم في المخيمات الصربية, ليس هذا فحسب
فقد إرتكبت أبشع المذابح في التاريخ المعاصر بشهادة وكالات الأنباء الغربية وهي مذبحة
سربرنيتشا التي قضى على إثرها أكثر من 8300
مسلم بين رجل وذكر تعدى الرابعة عشر أما النساء والأطفال فتم نقلهم إلى المعتقلات
ويذكر أن في ذلك اليوم فقط تم الإعتداء على أكثر من 5000 أنثى, ولقد قامت القوات الصربية
في 11 يوليو 1995 بجمع أكثر من 8000 رجل ومن بلغ الرابعة عشر وقامو بذبحهم على مدار أربعة أيام ودفنهم بمقابر
جماعية وإرسال أطفالهم إلى الكنائس لتنصيرهم وإلى يومنا هذا لا يُعرف إن كانو أحياء
أم أموات ويعود السبب الأساسي في حدوث هذه المذبحة بتلك الطريقة البشعة إلى أن الأمم
المتحدة قررت حماية بعض مدن البوسنة والهرسك ومن بينها سربرنيتشا وجعلها تحت الحماية
الدولية ولكن بشرط تسليم السلاح الذي بحوزة مسلمي سربرنيتشا وبالفعل قامو بتسليم السلاح
وبعدها أرسلت الأمم المتحدة 400 جندي هولندي لحماية المدينة لكن الصرب تمكنو من الوصول
للبوشناق ويُرجح السبب في ذلك إلى تواطء الهولنديين وتسهيل الدخول للصرب إلى سربينيتشا
لارتكاب أبشع مذابح, والتي أعلن بعدها محقق الأمم المتحدة إستقالته; متهماً الأمم المتحدة
بالتخاذل وعدم الدفاع عن البوسنة والبوسنيين
لقد ذبح الكثير من البوشناق المسلمين
وشُرِد الكثير وهُجِرو وقتل الأطفال حقداً وغِلاً ودمرت الحرب 61 مدينة وأكثر من
400 قرية بما فيها والسبب الرئيسي كما ذكر بِل كلينتون رئيس الولايات المتحدة في كتاب أشرطة كلينتون أن المسؤولين الأوربيين قالو
له أن ما يحدث في البوسنة مؤلم ولكن هذا هو الوقت لإعادة أوربا مسيحية ومن هنا يُفهم
لماذا لم يتدخل أحد لإيقاف الحرب على البوسنة فلقد كان الهدف تطهير عرقي كما ظهر خلال
سنوات الحرب وعدم وجود أي كيان إسلامي في أوربا المعاصرة وإلا لماذا لم يتدخل الأوربيون
والأمريكان لإيقاف الحرب وظلو متفرجين على مذابح البوسنيين لمدة 3 سنوات, ولكم أن تتخيلو
أن الأمريكان كانو يخبرون البوسنة بمواقع المقابر الجماعية التي خلفتها مذبحة سربرنيتشا
وذلك لأنهم كانو يقومو بالتصوير المباشر عبر طائراتهم المتقدمة لكل ما يحدث في سربرنيتشا من مذابح ودفن إستمر أيام
بلياليها ولقد تمت الإستفادة من هذا التصوير المباشر في المحكمة الدولية, وثمت تصريح
لسيناتور أمريكي يتساءل عما سيفعله الأوربيين لو كان المعتدي هم المسلمين هل ستظل بريطانيا
وروسيا وفرنسا على الحياد والحقيقة أن الدول الأوربية الكبرى والولايات المتحدة كانو
باستطاعتهم إجبار الصرب على التوقف عن المذابح والجرائم بحق الإنسانية إلا أنهم لم
يفعلو شيء إلا بعد مذبحة سربرنيتشا بعدة أشهر
وذلك في نوفمبر من عام 1995 بإرغام الصرب للجلوس على طاولة المفاوضات وتوقيع
إتفاقية دايتون في ديسمبر التي حضرها الرئيس البوسني علي عزت بيجوفيتش والرئيس اليوغوزلافي
الصربي ميلوزيفيتش والرئيس الكرواتي توجمان
هذه الإتفاقية التي أوقفت الحرب
وقسمت البوسنة فبموجب إتفاقية دايتون تم تقسيم البلد إلى قسمين 49% من مساحتها جمهورية
صرب البوسنة و 51% فدرالية البوسنة والهرسك وتظم مسلمي البوسنة وكروات البوسنة وجعلت
الرئاسة تتألف من مجلس رئاسي يظم ممثل عن كلٍ من الكروات والصرب والمسلمين يحكم كل
واحدٍ منهم ثمانية أشهر لفترتين لمدة أربع سنوات وأما جرائم الحرب فتم إحالتها للمحكمة
الدولية وبنودٍ عدة أخرى كانت مجحفة لمسلمي البوسنة والتي قال بحقها علي عزت بيجوفيتش
إتفاقٌ غير منصف خيرٌ من إستمرار الحرب
كتابة عبد العزيز الحمري
المصادر
البوسنة والهرسك قصة شعب مسلم
يواجه العدوان- الناشر وكالة الأنباء الإسلامية
محمود بيومي - البوسنة والهرسك
نكبة المسلمين المعاصرة- الناشر مطبعة الكيلاني
تعليقات
إرسال تعليق